منتديات الى غرف الحوار الصوتية
 

بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدَّس

 

نبذة عن حياة الشاعر رياض صالح الحسين

دواوين و قصائد الشاعر رياض الصالح الحسين

 

 

بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدَّس

 

دار الجرمق - دمشق 1982

 

 

 

(لمن أتحدَّث اليوم

الإخوة أشرار

و الأصدقاء ليسوا أصدقاء حب.

لمن أتحدَّث اليوم

القلوب قلوب لصوص

و كل رجل يغتصب ما عند جاره)

 

شاعر مصري قديم

 

 

 

تفاصيل

 

 

رائحة ما...

 

هناك رائحة ما

ليست كرائحة الملابس القديمة

و بطاقات التعزية

و المستنقعات

رائحة ما...

حادَّة، متردِّدة، مسكينة

كدموع بنت تبكي دميتها المحطَّمة

رائحة...

تدخل غرفتي بخجل في الصباحات الباكرة

تغسل وجهي

و تستمع مثلي لأغنية حزينة آتية من الأعماق

رائحة...

تذكِّرني دائمًا

بجنود عائدين من الحرب

و بحر

و فتاة كانت تطاردني ضاحكة

في حقول القطن.

 

 

 

سورية

 

يا سورية الجميلة السعيدة

كمدفأة في كانون

يا سورية التعيسة

كعظمة بين أسنان كلب

يا سورية القاسية

كمشرط في يد جرَّاح

نحن أبناؤك الطيِّبون

الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك

أبدًا سنقودك إلى الينابيع

أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء

و دموعك بشفاهنا اليابسة

أبدًا سنشقّ أمامك الدروب

و لن نتركك تضيعين يا سورية

كأغنية في صحراء.

 

 

 

القراصنة

 

قلت للسفن:

إذا رأيت القراصنة

بسيوفهم الطويلة

و قلوبهم الخرساء

فاسأليهم لماذا...

لا يستطيعون سرقة البحر؟

 

قلت للموت:

عندما تأتي إليَّ

لتدمر حياتي

فالرجاء

أن تدمرها بلطف

:ثم قلت للموت

لا تقترب مني

كيلا تعود إلى أمك

.بعنق مكسور

 

 

 

الصمت

 

مساءً جاء الرجال متعبين من المرعى
مساءً جاءت النساء متعبات من الحقول
للرجال قلوب موشكة على السقوط
وللنساء عيون موشكة على البكاء
في المساء جاؤوا ورقصوا حتى الصباح
الجرح صار أغنية
والتعب مزمارًا
غير أن رجلا ما

ظلَّ جالسًا في الزاوية البعيدة

البندقيَّة بين يديه كأفعى

...و الحياة في عينيه زمن من فخَّار

الرجل الذي ينظر بصمت

لا يبدو أنَّهُ يشاهد التلفزيون

و لا يبدو أنَّهُ يحلم

و لا يبدو نائمًا

...اللئيم

.ما الذي يفكِّر فيه؟

 

 

 

أرقام

 

لدينا كل شيء

مليون رغيف لمليون جائع

مليون قبلة لمليون عاشق

مليون بيت لمليون متشرِّد

مليون كتاب لمليون تلميذ

مليون سرير لمليون متعب

لدينا كل شيء:

للصيف لدينا بحر

و للشتاء لدينا مدافئ

للقطارات محطَّات كثيرة

و للسوَّاح آثار

و آلات تصوير.

لدينا كل شيء

سوى أن أغلبنا لا يملكون النقود و الرصاص

لذلك من الأفضل ألاَّ نتفاءل كثيرًا.

 

 

 

من؟

 

من سيفتح لي صنبور الحياة لأشرب

إذا جفَّ قلبي تحت هذه السماء الخائنة؟

من سيغنِّي لي أغنية في المساء لأنام

إذا وضعوا بين جفني صخرة مدبَّبة؟

من سيخرجني من هذه البئر العريقة

لأرى أشجار الصفصاف تحت ضوء القمر؟

من سيحل لي هذه المسألة البسيطة:

(إذا كنَّا نرتدي النار

كيف نستطيع أن نخلعها؟)

من سيشتري كفنًا للشمس إذا ماتت؟

من سيفتح للقتيل الباب

إذا جاء لزيارة صديقه بعد منتصف الليل؟

من سيذهب معي إلى السينما

و من سيمشي معي في هذا السجن الطويل؟

 

 

 

لا شك بذلك يا ديكارت

 

لا أشك مطلقًا

على الأقلّ عندما أكون حزينًا

بأن الخشب يطفو على سطح الماء

و القطط تتغذّى بالفئران

و الأشجار تزهر في الربيع.

 

لا أشك مطلقًا

بالسكين التي تقطع اللحم

و المطر الذي يقطع العطش

و الاثنين الذي يقطع الطمأنينة.

 

لا أشك مطلقًا

كما يعلم الجميع

بأنَّ واحدًا زائد واحد يساوي اثنين

و أنَّ قليلاً من الملح و الخيار و البندورة و البقدونس المفروم يساوي سلطة.

 

و لكن ما أشك فيه

يا ديكارت المجنون

بأنَّ أكذوبة و أكذوبة

و بناية فوق بناية

و مستنقعًا قرب نهر...

يساوي ثورة!.

 

 

 

كهنة بشوارب طويلة

 

قالت المرأة:

أريد أن أعيش في القمر

مع حقل قمح و شجرة و عنزة و رجل أحبُّهُ.

 

قال الطفل:

أريد عصفورًا لأطعمه

قطَّة لألعب معها

دفتر رسم و أقلامًا ملوَّنة

لأرسم القطَّة قرب العصفور.

 

قال الرجل:

أريد أن أعمل و أتزوَّج و أسكر و أذهب إلى السينما.

 

قالت الشجرة:

أريد أن أظلّ خضراء.

 

قال النهر:

أريد ألاّ أتوقَّف عن الجريان.

 

و فيما بعد... فيما بعد

جاء بشر صامتون

كهنة بملابس سوداء و شوارب طويلة

غسلوا جسد العدالة بأحجار القوانين

و أخذوا الجميع إلى السجن!.

 

 

 

سقراط

 

الذي لم نفعله اليوم

نستطيع أن نحقِّقه غدًا

و الذي أتعبنا البارحة

نستطيع أن نضحك منه اليوم

القي بنفسك بين ساعديَّ

كما تلقي امرأة يائسة نفسها من فوق ناطحة سحاب

هذه لعبتنا الجميلة الضارية

التي لم يسجلها التاريخ

هذه حكمتنا الساذجة

التي لم يتحدَّث عنها سقراط

أيَّتها الصديقة النائمة

لا تقفي أمامي مكتوفة القلب

فالشمس –كما يقولون-

لا تشرق في اليوم  مرَّتين.

 

 

 

أيَّام

 

ماما

أما زلت تحتفظين ببارودة جدِّي القديمة

بين بيت المؤونة و زريبة الحيوانات؟

أما زلت تسرِّحين شعرك بأصابعك النحيلة

و تخبزين لإخوتي فطائر الحكمة؟

أنا هنا يا أمِّي

أحتسي فلسطين صباحًا مع فنجان القهوة

و أطرد عن جسدها البعوض و الأكاذيب

أذهب معها إلى المدرسة

و نقرأ معًا الصحف في المقهى

و حينما أكون حزينًا

تجلس بجانبي و تعدني بأشجار البرتقال

ماما...

امسحي دموعك بمنديل الجبل

و نظِّفي بارودة جدِّي بخرقة الأيَّام

فبعد فترة سأعود إليك

و في حقيبتي:

زجاجة عطر

و قليل من الرصاص.

 

 

 

بالتساوي

 

المرأة التي تحبُّ التفَّاح

قطفت ثلاث تفَّاحات

واحدة لها

واحدة لي

واحدة لحبيبتي.

 

الرجل الذي يلعب بالأحجار

بنى ثلاثة بيوت

واحدًا له

واحدًا لصديقه

واحدًا لي و لحبيبتي.

 

الطفل الذي يعدُّ النجوم

عدَّ ثلاث نجمات

واحدة له

واحدة لي

واحدة لحبيبتي.

 

الرجل الذي يريدُ كُلَّ شيء

اشترى ثلاثة خناجر

زرع الأوَّل في صدري

و الثاني في صدري

و الثالث في صدر حبيبتي.

 

 

 

الحريَّة

 

لا فائدة من الصراخ

ما دام الصوت لا يخرج من زنزانة الفم

لا فائدة من البكاء

ما دامت المناديل لا تكفي لتجفيف الدموع

لا فائدة من الطريق

ما دامت الأقدام مدجَّجة بالسلاسل

لا فائدة من الثياب

ما دام الجسد مملوءًا بالسكاكين

لا فائدة من الحبّ

ما دامت القبلة جريمة قانونيَّة

لا فائدة من الرغيف

ما دام القلب سيظلُّ جائعًا

لا فائدة منِّي

ما دمت سأموت دون رغبة

و ثمَّة فائدة لكلِّ هؤلاء

عندما نمضغ عنب الحريَّة!.

 

 

 

ما يحدث لي و لكم

 

ماذا يحدث لي

إنَّني أتألَّم جدًّا

و أقول: آااااخ

كُلَّما رأيت البشر و الحيوانات و الأشجار!

ماذا يحدث لي

إنَّني سعيد جدًّا

و أقول: لا بأس أيُّها الصديق

لم يزل لدينا بشر و حيوانات و أشجار

البشر يعملون و يحبُّون

الحيوانات تعمل و تحبُّ

و الأشجار تزهر دائمًا

و لكن ما هو سيء

أنَّنا ما زلنا نقول: آااخ

في الصباح

و المساء

و عندما نضع رؤوسنا فوق الوسائد!.

 

 

 

جدار

 

الذي وضع الجدار بين عالمين

بيديه الخشنتين

كان يقيس المسافة بين الحجر و الحجر

مفكِّرًا بالطقس البارد في كانون

و الذئاب التي تنسل في العتمة و الضباب.

 

الذي وضع الجدار

كان يقضم الخبز و يدخِّن

و يطرد الغبار و الذباب عن عينيه الجميلتين.

 

لقد صنع عالمًا صغيرًا

بأربعة حواجز و سقف و أرض مغطَّاة بالإسمنت

لرجل أو امرآة أو طفل مثلي

أربعة حواجز و سقف و أرض مغطَّاة بالإسمنت!.

 

 

 

غدًا في الصباح

 

غدًا في الصباح

سنتسلَّق الشجرة و نأكل التوت

غدًا في الصباح

سأمسك يدك و أركض في البريَّة

غدًا في الصباح

سأقبِّلك ألف قبلة

و أقول لك ألف صباح الخير

و لكن من يوكِّد لي أنَّ الصباح سيأتي؟.

 

الليلة مديدة كالعصور

المرأة في الشرفة

و أنا في السجن.

 

 

 

قمر

 

كل ما قاله الراعي للجبل

و النهر للأشجار

و كل ما قاله الناس و ما لم يقولوه

في ساحات الرقص و المعارك

قلته لك

 

عن الفتاة التي تغنِّي في النافذة

و الحصى الذي يتكسَّر تحت عجلات القطار

و المقبرة التي تنام سعيدة منذ قرون

حدَّثتك

 

زهرة جسدي، كل صباح

أقطفها و ألقيها في الشارع

ليطأها القادة و الحكماء و اللصوص...

و زهرة جسدي، كل مساء

أجمع تويجاتها المفتَّتة لأجمعها لك

و أقول كل ما حدث لي

 

مرَّة بجانبك جلست و بكيت

كان قلبي حقل أرز محترق

و أصابعي تتدلَّى كألسنة الكلاب في الصيف

أردت أن أعَبِّرَ عنِّي بالحركات:

أن أكسرَ كأسًا

أن أفتحَ نافذةً

أنا أنام...

و ما استطعت

 

عمَّ أتحدَّث بعد ستة و عشرين عامًا

أو بعد ست و عشرين طلقة في الفراغ؟

لقد تعبت من الكلام و الديون و العمل

لكنِّي لم أتعب من الحريَّة

و ها أنذا أحلم بشيء واحد أو أكثر قليلاً:

أن تصير الكلمة خبزًا و عنبًا

طائرًا و سريرًا

و أن ألفَّ ذراعي اليسرى حول كتفك

و اليمنى حول كتف العالم

و أقول للقمر:

صَوِّرْنا!.

 

 

 

إنفجارات

 

 

البيضاء

 

-1-

 

كوحشٍ كبيرٍ، كبير

بأنياب خضراء

و مخالب ممطرة

سأخرج إلى العالم

و حيث تلمع عيون الأطفال

و أجنحة النوارس

سأجلس مع القبلة قرب الينابيع

و أختبئ مع الفلاَّحات بين سنابل القمح

و أقول: أحبك.

 

 

-2-

 

في هذه اللحظة تمامًا

العالم قلب كبير يدقُّ بقوَّة

العالم زهرة لوتس في شَعْرِ فتاة صغيرة

العالم هرَّة بيضاء تموء بلطف و هي تشرب

العالم أغنية مسافرة في قطار مجهول

العالم يمامة...

في منقارها بطاقة بريديَّة:

إنَّني أحبك.

 

 

-3-

 

سألعب مع الأطفال بالحصى و الأوراق الملوَّنة

سأقيم البيوت من رمال الصحارى و الشواطئ المبلَّلة

سأقول للصخرة: لنبتسم

للأغصان: لنضحك

للتراب: لنرقص

للوسادة: لنتنفَّس

للجبال: لنغنِّ

للموتى: لنبدأ

للأحياء: لنستمرّ

للأرقام: لنكبر

للحروف: لنتَّسع

للفصول: لنتبدَّل

للغيوم: لنمطر

و لك أيَّتها المرأة

سأقول: أحبك

أحبك كُلَّما قطفت وردة

و كُلَّما قطفتني السكاكين.

 

 

-4-

 

السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة...

أنا أحبك

الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف...

أنا أحبك

السابعة صباحًا، السابعة مساءً،

الثانية بعد منتصف الليل...

أنا أحبك

أحبك هنا و أحبك هناك

في الضباب و الأودية و المنازل و الحقول

على الأرصفة و حبال المشانق

بين المصانع و الجرَّارات و تحت قنابل الإمبرياليَّة...

أنا أحبك.

 

 

-5-

 

سأبني شمسًا بثلاث نوافذ و أربعة أبواب

سأزوِّج البحر من فتاة النجوم

سأطلق غابة على الصحراء الكبرى

سأقلِّد الريح وسامًا من البرتقال

سأطفئ الجحيم بقطرة من الماء

و سأقول لك: أنا أحبك.

 

 

-6-

 

لا تحجزوا لي مقعدًا في طائرة مخطوفة

و لا زنزانة في بلد بعيد

و لا موتًا في مجاعة عالميَّة

لا تغلقوا النوافذ و الأبواب و الجدران و الدروب الطويلة

لا توصدوا البحر و الحدود و السماء العالية

لا تتركوا أوديب يقتل أباه

و لا هاملت يقتل نفسه

لا تصنعوا التوابيت

و لا تدمِّروا السفر

لا تأخذوني إلى عام 2000

أو عام 1605

أو عام 37 ق.م

أريد أن أظلَّ هنا

في تموز 24 تموز 1979

بفم مليء باليانسون

و قلب مزروع بالقطن

و أن يظلَّ العالم 24 تموز دائم

فهذا يعني بأنَّني أحبك.

 

 

 

غرفة صغيرة و ضيِّقة و لا شيء غير ذلك

 

غرفة صغيرة صالحة للحياة

غرفة صغيرة و ضيِّقة صالحة للموت

غرفة صغيرة و رطبة لا تصلح لشيء

غرفة صغيرة فيها:

امرأة تقشِّر البطاطا و اليأس

عامل باطون لا ينام أبدًا

بنت تبكي كثيرًا بدون سبب

و أنا ولد مشاكس و غير لئيم

لديَّ كتب و أصدقاء

و لا شيء غير ذلك.

 

و منذ أن ولدت بلا وطن

و منذ أن أصبح الوطن قبرًا

و منذ أن أصبح القبر كتابًا

و منذ أن أصبح الكتاب معتقلاً

و منذ أن أصبح المعتقل حلمًا

و منذ أن أصبح الحلم وطنًا

بحثت عن غرفة صغيرة و ضيِّقة

أستطيع فيها التنفُّس بحريَّة.

 

إنَّني أتنفَّس بحريَّة

في غرفة صغيرة و ضيِّقة

أخلع ثيابي و أنام

أخلع فمي و أتكلَّم

أخلع قدمي و أقوم بنزهة تحت غبار السرير

مفتِّشًا عن بقايا أطعمة و قطط تحبُّ المداعبة.

 

على الرف في الغرفة كتب و أصدقاء

و هناك أيضًا حزمة جافَّة من البرسيم

صورة لغيفارا و لوحة سوداء لمنذر مصري...

عندما أجوع ألتهم الكتب و أقول للأصدقاء:

- أيُّها الأصدقاء، تعالوا لنتحاور...

و أصدقائي كثيرون

الذين يحبُّونني لا يتركون لي فرصة للموت

و الذين يكرهونني لا يتركون لي فرصة للحياة

و غدًا على الأرجح

سألْتَهِمُ الأصدقاء

كما التهمت الكتب و قرارات الأمم المتَّحدة

و غدًا على الأرجح

سأكفُّ عن الحلم

مثلما كفت الآنسة (س) يدها عن شؤون قلبي

و غدًا على الأرجح

سأترك للغرفة تأسيس حياتي

بجدرانها الخمسة المدمَّاة

و نافذتها الوحيدة المشرعة.

 

في غرفة صغيرة و ضيِّقة صالحة للبكاء

في غرفة صغيرة و ضيِّقة صالحة للحب

في غرفة صغيرة و ضيِّقة صالحة للمؤتمرات

لم أستطع أن أتآمر على أحد

لم أستطع أن أفعل شيئًا.

في غرفة صغيرة و ضيِّقة صالحة للكتابة

لم أستطع إلاَّ كتابة وصيَّتي الأخيرة

الغرفة الصغيرة الضيِّقة

الممدَّدة كجثَّة فوق سرير الأرض

قابلة مثلي للتشريح

و مثلي قابلة للإبادة.

 

في الغرفة الصغيرة الضيِّقة

أقرأ الصحف و المذابح

في الغرفة الصغيرة الضيِّقة

أعوي كعاصفة و أغرِّد كسنبلة

أنا في الغرفة الصغيرة الضيِّقة:

نهر مكسور

و أحيانًا أمَّة مضطَّهدة.

 

- أين ذهبت المرأة؟

* لتموت في الغرفة الصغيرة الضيِّقة.

- أين قرَّرْتَ الموت؟

* في الغرفة الصغيرة الضيِّقة.

- كم عمرك؟

* غرفة صغيرة ضيِّقة.

- ما هي الأرض؟

* غرفة صغيرة ضيِّقة.

 

اليوم صباحًا و كإنسان مقتول

يعرف تاريخ ولادته و لا يملك شهادة الوفاة

أغلقت عيني النافذة

و تركت الغرفة الصغيرة الضيِّقة

تفيض حتَّى حافَّتها بالأمراض

اليوم صباحًا

قلت سأفتِّش عن فاكهة لم تلمسها يد

و صديق لم تذهب به رصاصة إلى السماء

ذهبت إلى الأشجار و ما وجدت أحدًا

إلى الينابيع و ما وجدت أحدًا

إلى الصخور و ما وجدت أحدًا

إلى الحيوانات و ما وجدت أحدًا

ذهبت إلى المطارات

و الشوارع

و مؤسَّسات الأيتام

فحسبوني شحَّاذًا و وضعوا في كفِّي النقود...

اليوم مساءً و كحصانٍ مقطوع الرأس

عدت إلى الغرفة

الغرفة الصغيرة الضيِّقة

و بلطة ضخمة من الصراخ تنمو تحت أظافري.

 

 

 

حيث في كلّ خطوة قمر مكسور

 

لقد بدأنا نعرف ما معنى الزمن

عندما نعود إلى البيت وحيدين

متشابكي القلوب و الأصابع

بدأنا نعرف ما تعني الصخور النائمة في البحر

الشمس النائمة في السماء

و الأغاني النائمة في المقبرة

بدأنا نعرف لماذا ننام و نأكل

و نسير في الشوارع بلا هدف

حيث في كلّ خطوة قمر مكسور

حيث في كلّ كلمة قبلة مذبوحة

حيث في كلّ (صباح الخير) طلقة مخبأة

لم نستطع أن نمزِّق بها دماغ صيَّاد

لقد بدأنا نعرف و نفكِّر و نتألَّم بشكل حسن

محاولين أن نقول للفتاة الجميلة:

(هذه المظلَّة لا تصلح للوقاية من النار

هذا الثوب لا يصلح للقيام بنزهة إلى الغابة

هذه الأصابع  لا تصلح لمداعبة قطَّة

و هاتان العينان المليئتان بالسنايل

لا تصلحان لرؤية الجوع

و هو يتقلَّب بعنف فوق فراش شائك)

ههنا كل شيء مريض:

البشر و الحيوانات و الأزهار

القوانين و الدول

الآلهة الطيِّبة و الشياطين الشرِّيرة

الذين رحلوا عنَّا

و الذين ما زالوا يتشبَّثون بنا

مثلما تشبَّث السندباد بجسم حوت بليد

معتقدًا أنَّه صخرة

و ها نحن نغوص

مرضى و معذَّبين و مُتعبين و جوعى

في هذه الهاوية الرحبة

التي اسمها (حياتنا)

نعرف و نفكِّر و نتألَّم بشكل حسن

نعرف لون الأفق في السادسة صباحًا

لون الطفل و هو يغادر صباحه إلى الأبد

و لون الصباح الذي لا يزورنا

إلاَّ عندما نشعر بحاجة إلى النوم.

 

أنت،

اخلع عنك الحياة و أذهب بصراحة إلى الموت

الموت يا عزيزي سمكة لن تقبض عليها

إلاَّ إذا كانت يداك جافَّتين

و مشاعرك حافية

 

أنتِ،

اخلعي حياتك و أوقدي شمعة

و لا تفكِّري كثيرًا بشهداء الأقاليم

لا تفكِّري بالبحَّارة التعساء

و لا بالقرصان الجميل

و لا تفكِّري بإفريقيا الخضراء

و لا بآسيا الرماديَّة

لا تفكِّري بالبجع و لا بالتماسيح

لا بالنهر و لا بالزورق

فقط اتركي نفسك بهدوء قرب شمعة

بذاكرة بيضاء و قلب صافٍ

و لنحاول معًا أن نعرف ما معنى الزمن

عندما، كجنديٍّ مسكين

يمدُّ ذراعه السليمة

طالبًا منَّا صدقة

جنديّ مسكين أو امرأة نحيلة

على السرير العاري كانا يموتان

(بهدوء... بهدوء... بهدوء)

تفتح المرأة عينيها و تنظر إلى الجندي بدهشة

يفتح الجندي ساعديه و يضمُّ المرأة بخوف

بدهشة و خوف كانا يموتان

و العالم حولهما يتداعى و يختفي

و الناس

الناس الوادعون

الطيِّبون

الأبرياء حتَّى رؤوس أصابعهم

كانوا ينظرون إليهما بلامبالاة

و حينما انتفض الجندي و طلب سيجارة

و حينما انتفضت المرأة و أعطته السيجارة

فتح الهواء الباب و أطفأ عيدان الثقاب...

أنا رجل مسكين

و أنتِ امرأة نحيلة

أنا بعيد

و أنتِ مثلي مثلي مثلي بعيدة

يداك الملوَّثتان بالحبّ

لا تغسليهما

الوحش المقتول في قلبك

اتركيهِ هناك يتفصَّد موتًا

ذثِّريه بالأغاني و ضعي يديه فوق صدره

و غدًا، أو اليوم،

عندما تصبح الحريَّة كالهواء مباحة

عندما يتداعى الأباطرة كالجدران القديمة

عندما يمتلك الجميع قليلاً من الرصاص

و كثيرًا من القلب

و غدًا، أو اليوم،

عندما نعرف و نفكِّر و نتألَّم بشكل حسن

و غدًا، أو اليوم،

سنحاول أن نسير في الشارع

نتكلَّم بغبطة و بلا خجل

و وحيدين نعود إلى البيت

متشابكي القلوب و الأصابع

و للشجر أن يكون أشد اخضرارًا

و للبحر أن يكون أشد اتِّساعًا

و مثلما يحقُّ للسكِّين أن يكون حادًّا و مؤلمًا

فللخطيئة الجميلة حقّها في أن تتكاثر كالأرانب

حيث في كلّ خطوة قمر مكسور

حيث

في

كلّ

كلمة

قبلة

مذبوحة.

 

 

 

بين يديك أيُّها العالم

 

فلتأتِ إليَّ الآن

فلتأتِ إليَّ الآن

الباب مفتوح و النافذة مفتوحة

و كل ما هو لي

و كل ما هو ليس لي

و كل ما رأيته و عشته و انتظرته

ينتظرك الآن:

المائدة و السرير و الضوء و رائحة جسدي

العشب و الأسماك و الأزهار و قلبي

كل شيء ينتظرك

كل شيء ينتظرك

فلتأتِ إليَّ الآن

إنَّ الزمن لا يتغيَّر أبدًا

إنَّ الزمن لم يتغيَّر قط

فالصيف كالخريف

و السبت يشبه الأحد و الأربعاء

أمَّا الذي تغيَّر دونما انقطاع

فهو نحن

نحن الذين نذهب إلى الحروب و المصانع و المراعي

و نبتكر كل ما له علاقة بنا:

الرصاص و الخبز

السجون و الحريَّة

السجائر و أقلام الرصاص

السكاكين و الورق و الأغاني

الألعاب و القيود و المبيدات الحشريَّة

إنَّنا نفعل كلّ ما نستطيع

بين يديك أيُّها العالم

 

بين يديك أيُّها العالم

دمي يسيل الآن

يسيل و أراه

يسيل و يتبعثر و يتشابك و يفترق

ينحني و ينكسر و يميل يسارًا و يمينًا

إنَّهُ دمي أيُّها العالم

دمي الصامت الثرثار

الذي يرسم بنفسه صورتي الشخصيَّة

و وجه من أحبُّ و أكره

 

بين يديك أيُّها العالم

متدفِّق و منطوٍ

بعيد و قريب

أتنقَّل من شارع إلى جدار

و من صديق إلى قاتل

و من أغنية إلى غبار

أتنقَّل و أتنقَّل

حاملاً خضاري و قمحي و كراريسي

بنادقي و زهوري و فراغي

دونما راحة و دونما تعب

ذلك أنَّني أعيش لأتساءل

أو أتساءل لأعيش:

ما الذي فعلت بنفسك يا هاملت؟

و ما الذي تنتظرينه يا بنلوب؟

و ماذا أعطت لك الحياة يا سقراط؟

و لم تثير رعبنا يا هيتشكوك؟

و أنتَ يا أبي...

أيُّها السكِّير، المريض، المقامر

أيُّها الحالم، الطيِّب، المسكين

أما زلت تتناول عشاءك المعتاد

بيضتين مسلوقتين

قليلاً من الزبدة

نصف رغيف

و همومًا كاملة

و أنتِ يا أمِّي...

أيَّتها الشجرة التي لم تثمر غيري

أما زلتِ تنامين باكرًا

عاريةً إلاَّ من أوراقك الخضراء

الخضراء دائمًا بين يدي العالم؟.

 

بين يديك أيُّها العالم:

النافذة مشرعة و أنا وحيد

(من يأتي إلى من)

الأضواء ساطعة و أنا معتم

(من يضيئني من)

السفر... السفر... السفر...

هو ما أريد

الحريَّة... الحريَّة... الحريَّة

هي ما أطلب

أن أضمَّ المرأة

و أسحب القمر من أنفه إلى غرفتي

أن أرقص و أرقص و أرقص

حتَّى تتعب الموسيقى

أن أحملك أيُّها العالم

أهدهدك كطفل

و أزعل منك إذا أخطأت في الحساب

أن آكل و أعمل و أشرب و أتنفَّس

كما يفعل المبدع الصغير الكبير

الذي يزرع القمح بين الصخرة و الصخرة

و يترك للطفل حريَّة الحركة و البكاء

المبدع الصغير الكبير

الذي يشبك يديه خلف ظهره

في العطلات الأسبوعيَّة

سعيدًا ببطاله النظيف

و ذقنه الحليقة

إبنك أيُّها العالم

إبنك الطويل، القصير، البدين، النحيل، الذكر، الأنثى، العاجز، العطشان، الخائف، المضيء، المتردِّد، المباشر، الصادق، البسيط، المغامر، المجنون...

إبنك الذي من سهول و ماعز و مطر كثيف

الضائع بين سبارتاكوس و نيرون

بين يسوع و يهوذا

الذي جرَّبَ كل شيء

و لم يتوصَّل إلى شيء

لأنَّهُ...

لأنَّهُ ما زال بين يديك أيُّها العالم.

 

... و أنا أنتظرك الآن

حزينًا كرسالة لم تصل

و وحيدًا كفزَّاعة عصافير

أنتظرك و أعرف أنَّك معي

رجلاً و امرأة و طفلاً

طيرًا و موسيقى و غابة و طريقًا طويلاً...

و سواء كنت في العمل أو البيت أو الشارع

أراك و أعرفك

أفتقدك و أسأل عنك

و أينما ذهبت سأتبعك

و كُلَّما التقيتك سأهرب منك

لكنَّني دائمًا... دائمًا

أفتح لك الباب و قلبي

و أقول تعال

قبّلني قبّلني قبّلني

قبّلني قبّلني قبّلني

هذه أصابعي و هاتان عيناي

هذه أظافري و أنيابي

و هذا هو جسدي

دافئًا و بردان و محمومًا

و هذه هي نفسي

فارغة إلاَّ من الصخور و الرمال

و ممتلئة بكل شيء

و كل شيء لا يستطيع احتواءها

حتَّى أنت...

حتَّى أنت أيُّها العالم.

 

بين يديك أيُّها العالم

أعدُّ حروبي و هزائمي و انتصاراتي

و أسجِّلُ أسماء الجلاَّدين و الضحايا

أسماء العشاق و الفاشلين و المغامرين و المضطهَدين

و لا أنسى إسمي

إسمي الوحيد، المتكرِّر، المتفرِّد

الذي يعرفه الجميع و لا يعرفه أحد

محمود أو الياس أو مريم

رياض أو سوزان أو عادل...

ما الذي يهمّني من ذلك؟

فالجميع يحبُّون و يكرهون و يزورون المقابر

(على الأقلّ مرَّة واحدة بعد عمر مديد)

و الجميع عندما ينامون

ينامون بطريقة واحدة و مختلفة

و لذلك لا نختلف في شيء

سوى أن بعضنا ينام بعين مفتوحة

و بعضنا لا ينام أبدًا

و بعضنا ينام دائمًا:

في قبر، أو حانة، أو وظيفة

في صحيفة، أو كتاب، أو متحف

و الجميع الجميع

يملكون الأيدي و الرقاب و الصدور و الذكريات

غير أنَّ بعضهم لا يملكون القلب

و بعضهم قلوبهم سوداء

و بعضهم رموا قلوبهم في البالوعات و استراحوا

استراحوا بين يديك أيُّها العالم

 

بين يديك أيُّها العالم

أدور و أدور و أدور

كدواليب الحظ

ثمَّ أتوقَّف على رقم

لا علاقة لي به

و سواء كنت ورقة يانصيب خاسرة أو رابحة

و سواء كنت رقمًا أحاديًّا أو مزدوجًا

فالحصان الخاسر لن ينال الجائزة

و الحصان الرابح لن يجني سوى القليل أو الكثير من التبن و الذرة

أمَّا الرابح الوحيد

فهو الذي يملك الحصان و يقوده و يوجِّهه

الرابح الوحيد

صاحب المهماز و السوط و القبضتين الفولاذيَّتين

و أنا ملكك أيُّها العالم

أنا جوادك الخاسر

و نحن ملكك أيُّها العالم

نحن جيادك الخاسرة

ننطلق و ننطلق و ننطلق

و أخيرًا إلى الاسطبلات نعود.

 

بين يديك أيُّها العالم

المدراس = القتل

الأصدقاء = النميمة

الثقافة = الكذب

التاريخ = التكرار

و الدولة هي الدولة

بين يديك أيُّها العالم

نحن لسنا سعداء

بين يديك أيُّها العالم

نحن لسنا تعساء

نحن لا شيء البتَّة

هذا ما يقوله النسيم

و هذا ما تقوله أمريكا

بين يديك أيُّها العالم

نردِّد الكلمات

الحريَّة... الحريَّة... الحريَّة

الخبز... الخبز... الخبز

الحب... الحب... الحب

إنَّنا نردِّد الكلمات

منذ توت عنج آمون

و حتَّى آخر جثَّة في بيروت الشرقيَّة

الخبز أيَّتُها الأمم المتَّحدة و المتفرِّقة

الحب أيُّها الله

الحريَّة أيَّتُها الأصفاد و الأسلاك الشائكة

و الحياة... الحياة

بين يديك أيُّها العالم

 

شباط – 1980

 

 

 

أيَّتُها الأحجار استمعي إلى الموسيقى

 

البداية غدًا

و غدًا ليس ربطة عنق أو حذاء فاخرًا

البداية غدًا

و غدًا ليس كلمات متقاطعة أو مؤتمر هافانا

البداية غدًا

و غدًا تحت المقصلة أو بين السلاسل

سأطالب بالحياة الجديدة

فالحياة التي يتحدَّثون عنها في الكتب

و الحياة التي نراها في الاعلانات التلفزيونيّة

و الحياة التي تنام على الأرصفة

ليست هي الحياة التي نريد

 

غدًا

لن أتحدَّث عن آلام المسيح

كما يتوقَّع نجَّارو الصلبان

و لن ألعب مع الأطفال

كيلا توبّخني منظمة اليونيسيف

فغدًا...

ببساطة و يأس شديدين

سأمدُّ قلبي و أطالب فقط:

بالعمل و الخبز و الكتب و الأمن و السفر و... إلى آخره

 

لست بائع خردوات

و لا مهرِّب دخان مارلبورو

و لا أملك مسدَّسًا لأنتحر

و لا قنبلة لأخطف طائرة

لم أبع قلبي بالمزاد العلني

و لم اشترِ الويسكي من السوق الحرَّة

لم أقتل رجلاً

و لم أصفع إمرأة بوردة

فلماذا... لماذا

أيَّتُها الأحجار التي لا تحبُّ الموسيقى

كُلَّما شاهدني حفَّارو القبور

يفركون أيديهم بغبطة

و يدعونني لزيارتهم؟.

 

منذ السكاكين الحجريَّة

و حتَّى أطفال الأنابيب

ما زلتُ أبحث عن الحريَّة...

أنام و أغنِّي

أعمل و أعصر المناديل

أنتظر و أقشِّر البصل

و في الصباح أو في المساء

في السابعة أو الرابعة و العشرين

أدخل الحجرة و أجلس

أنا: قلب أبيض و يدان زرقاوان

 

نحن أبناء الغد

ما زلنا ننام في المقابر

المقابر التي

بين أشجار الليمون و بنادق القنَّاصة

نحن أبناء الغد

ما زلنا نقف تحت السماء الصغيرة

و قرب هذا العالم المسكين

(البارحة و اليوم و غدًا)

و نمدُّ قلوبنا إلى المارَّة:

- أغنية أيُّها الأصدقاء

قبلة ايُّها الإخوة

قبلة و أغنية من أجل الله

قبلة لليوم الأوَّل من السنة

و أغنية لليوم الأخير

 

غدًا...

لا تهرب منِّي

إلى الشوارع الكئيبة

فتحت لك الباب

تعال. أدخل. قبِّلني.

حدِّثني. نم معي.

فعند المنعطف ينتظرونك

ببندقيَّة ملقَّمة

 

النهاية غدًا:

البارحة تعارفنا

اليوم قبَّلتك

و غدًا سنفترق.

البداية غدًا:

البارحة حدثت المذبحة

اليوم دفنوا الموتى

و غدًا ستحدث مذبحة جديدة.

 

غدًا، صديق قديم:

(إنَّهم يموتون بالآلاف في سجون سانتياغو)

غدًا، فلكي عجوز:

(برج الحوت سيذهب إلى الجحيم)

غدًا، فلاَّحة طويلة:

(الأمطار قليلة هذا العالم)

غدًا...

رسالة إلى امرأة مجهولة:

(أريد أن أحدِّثك طوال شهر أيلول).

 

حارٌّ كجمرة

بسيط كالماء

واضح كطلقة مسدَّس

و أريد أن أحيا

ألا يكفي هذا

أيَّتُها الأحجار التي لا تحبُّ الموسيقى؟.

 

 

 

يوميَّات

 

 

1979 – 8 – 13

 

للأيَّام الجميلة القادمة أسنُّ أسناني

للمرأة الجميلة المقبلة أعدُّ السرير

و على الحائط الأسود

فوق الطريق العاري

تحت السماء الزرقاء

أبعثر رماد قلبي

منتظرًا البسكويت اللذيذ

و الدرَّاجة الصغيرة

و علامة (ممتاز) في الحبّ!.

 

 

 

1979 – 8 – 17

 

لا أحد يعرفني سوى العشب

لا أحد يلعب معي سوى القطَّة

و حينما أنام وحيدًا

بقدمين متباعدتين و ذاكرة عاتية

بطائرة ورقيَّة و بالون كبير

تأتي إلىَّ (أليس)

بشريطة بيضاء و سنّ مكسور و جوارب ممزَّقة

يأتي إلىَّ الأرنب المسكين

و النملة الذكيَّة

و الحمار المتعب

و على سريري ينامون!.

 

 

 

1979 – 9 – 2

 

إذا أردتَ أن ترى

ثلاثة رجال يقرعونَ بابَ التفَّاحة

ثلاثة رجال ليسوا من ذهب

الأوَّل: مستودع ذكريات

الثاني: شمس في زنزانة

الثالث: شجرة آلام

إذا أردتَ أن ترى...

فتعال إليَّ في الثالثة صباحًا

قبل أن ينكسر ضوء القمر

قبل أن يحين موعد الضجَّة

تعال مع العربات التي تذهب بالعمَّال إلى المصانع

مع العاشقة التي تدثِّر ثلاثة جنود

مع الدجاجة التي تبحث عن حبوب العدس

مع الشاب الذي يصنع خبز الموتى

تعال، لأحدِّثك عنِّي

أنا ثلاث صرخات

الأولى: للمغامرة

الثانية: للحب

الثالثة: للذهاب إلى العمل في الثامنة

كالمعتاد.

 

 

 

1979 – 9 – 7

 

الذي يريد الضحك فليأتِ

إنَّني أخبئ نكتة

الذي يريد البكاء فليأتِ

فلديَّ حصَّالة دموع

و الذي يريد الحب

و الذي يريد الحب

فليأتِ... فليأتِ

فلديَّ سرير شاسع كصحراء

و وسادة صغيرة كرأس خروف!.

 

 

 

1979 – 9 – 17

 

تعرَّفت على امرأة منذ أسبوعين

بطريقة عاديَّة

أعطتني ذراعها بسهولة

و قالت: لديَّ نصف كيلو عنب

قلت: و نستطيع أن نشرب القهوة.

تعرَّفت على امرأة

لم ترَ مقبرة قط

تضحك و تبكي و تحتجُّ بسهولة

و لا تفهم...

لماذا يتحدَّث الناس عن الحكومة

في الوقت الحاضر!.

 

 

 

1979 – 10 – 29

 

بالصوت و الإشارة و القبلة

برفيف الأهداب و هزَّة الرأس

بالأصابع و العيون

بأفراحنا الصغيرة و دمارنا الكبير

بأنيابنا المكسورة و أظافرنا المقلَّمة

بالأوراق البيضاء و أقلام الحبر الناشف

بالأغاني الحزينة و الموسيقى الخرساء

تعالوا لنتفاهم

 

لنتفاهم... لنتفاهم

كما تفعل النملة مع النملة

و الليل مع النهار

و إذا حصل أيّ سوء

فلنضرب الطاولة بقبضاتنا المتعبة

لنمتحن قدرتنا على الصراخ

لنستشهد بالأقوال المأثورة كبشر عاديِّين

و لكن قبل كل شيء

من الأفضل أن نتجرَّد من المعاطف

و الأحقاد القديمة

و نضع السكاكين و المسدَّسات قرب الباب

و ندخل القاعة بنوايا طيِّبة!.

 

 

 

1973 – 11 – 3

 

كل شيء له سعر

الكتاب و البيت و القهوة

الحذاء و النور و قصَّاصة الأظافر

الدموع و الدروب و (تصبحون على خير)

كل شيء له ثمن

بالدولار و المارك و الجنيه الاسترليني...

فكم هي مضحكة

-أقول لنفسي-

حياة الإنسان في العصور القديمة

عندما كان يبادل الذرة بثمار البلُّوط

و البقرة بسروال و قميص صوفي

و القبلة بأزهار البرتقال

و الأغاني الطويلة!.

 

 

 

1979 – 11 – 15

 

أنا حبَّة عنب حلوة

تعال و امضغني بأسنانك الرقيقة

أنا شجرة حب قريبة

أهرب إلى ظلِّي من شمس أيلول

أنا زهرة بريَّة

تحت جنزير دبَّابة

ألا تريد أن تقطفني قبل أن أموت؟.

 

ن