منتديات الى غرف الحوار الصوتية
 

خراب الدورة الدمويَّة

 

نبذة عن حياة الشاعر رياض صالح الحسين

دواوين و قصائد الشاعر رياض الصالح الحسين

 

 

خراب الدورة الدمويَّة

 

مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1979

 

 

 

إلى الدنيا و الناس

 

 

 

دخان

 

كئيبًا و منفتحًا كالبحر، أقف لأحدِّثكم عن البحر

مستاءً و حزينًا من الدنيا، أقف لأحدِّثكم عن الدنيا

متماسكًا و صلبًا و مستمرًّا كالنهر،

أقف لأحدِّثكم عن النهر

و عندما يصبح للنافذة عينان تريان يأسي

و للجدران أصابع تتحسَّس أضلاعي

و للأبواب ألسنة تتكلَّم عنِّي

و عندما يصبح للماء طعم الماء

و للهواء نكهة الهواء

و للحبر الأسود هذا رائحة الحبر

و عندما تهيّء المطابع الأناشيد للقرَّاء بدلاً من الحبوب المنوِّمة

و تهيّء الحقول القمح بدلاً من الأفيون

و تهيّء المصانع القمصان بدلاً من القنابل...

سأقف، أيضًا، سأقف لأحدِّثكم عنِّي

لأحدِّثكم عن الحبّ الذي يغتال المراثي

عن المراثي التي كانت تفتح دفترها الملكي

لتسجِّل أسماءكم في قائمة القتلى

عن القتلى المتشبِّثين بالضمَّاد و الميكرو كروم

الذي لم يأتِ

و سأقف، أيضًا، سأقف

لأحدِّثكم عنِّي

مثلما يتحدَّث الديكتاتور عن سجونه

و المليونير عن ملايينه

و العاشق عن نهدي حبيبته

و الطفل عن أمِّه

و اللصّ عن مفاتيحه

و العالم عن حكَّامه

سأحدِّثكم بحبّ، بحبّ، بحبّ

بعد أن أشعل سيجارة!.

 

 

 

الرجل السيء

 

"الموت!

فن، ككل شيء آخر

و أنِّي أتَّقنه تمامًا"

 

سيلفيا بلاث

 

 

و أذكر أنَّ المرأة الزرقاء عندما رأتني أبكي جثثًا و فقراء

قالت: عيناك مرآتان لخمسين قارَّة من الوجع

و الانتظار

و قالت المرأة التي ترتدي العاصفة و الوحوش:

أنت تعرف الكثير عن صبايا الأزقَّة المغلَّفات

بالأقفال البلاستيكيَّة الملوَّنة

و الأطفال الأغبياء المتمسِّكين بالأحصنة الخشبيَّة

و نهود الأمَّهات

و قالت المرأة بعد أن فتحت شاشتي عينيها:

(كان ثمَّة عاشق يرعى فيهما شجرًا و معتقلات)

يداك قاسيتان و وديعتان

و أصابعك نحيفة و معذَّبة

فهل لمست بهما الرغيف الثمين أو الشفاه الرماديَّة المرتعشة؟

هل قبضت على العالم؟

و قالت المرأة لي:

أنت تهذي كثيرًا بأسماء الأسماك و الأعشاب البحريَّة

و تفتح مملكة دماغك ليل نهار لقوافل الغجر التائهة

و تمزِّق بأظافرك لحم الأبواب و الجدران السميكة

فأيّ الأشياء أحبّ إليك:

أن تمضغ بشراسة رؤوس العصافير؟

أو أن تكسّر الصحون و الموائد المصنوعة

من خشب الجوز؟

و قالت لي أيضًا

و هي تنظر إلى الرأس

المشوّه المتوتّر في لوحة لسعد يكن:

أمك بجانبك تنحني عليك كيمامة

و أصدقاؤك يقبلون في المناسبات

و أنا أدفئك في ليالي تشرين الباردة

و أرسل إليك الأحلام الشاسعة و المكاتيب

فماذا تطلب غير ذلك؟!..

أتريد أن تفجّر النبع؟ أم تودّ أن تحرث المجرّة؟

و قالت المرأة القاسية:

أبتكر لك الدنيا..

خمسة جدران بيض

و سريرًا أبيض

و وردة بيضاء في كأس:

 

و كان يمكن أن أبتكر نعشًا

-أنا الرجل السيء-

لفاطمة العنيفة و نزيه الخائف و البحر التعيس

للأقفال الكريستالية السوداء.

للقرى الصاخبة بالعنب و الديوك و البطون المقعرة

للأغاني الممزقة في سلة المهملات

للمعاملات العقارية المبطنة بالأختام

لحبوب الأسربين و العشاق

لمصارعي الثيران الأذكياء في إسبانيا

للمجرفة الصلبة و الفلاح الرقيق

للدم الأخضر و مرتزقة الانقلابات

أنا الرجل السيء

كان عليّ أن أموت صغيرًا

قبل أن أعرف المناجم و الدروب

المرأة التي تغسل يديها بالعطور

و الملك الذي يزيّن رأسه بالجماجم

الولد الخبيث ذا اللثة الطرية الذي يقشر

الحليب من البكتيريا و الحروب من الانتصارات

 

أنا الرجل السيء

كان عليّ أن أموت صغيرًا

قبل أن أعرف الأشجار الارهابية و مافيا السلام

وفاة بائع المرطبات على سكة القطار

و الغجرية التي أهدتني تعويذة و قبلة

و كثيرًا من الأكاذيب

أنا الرجل السيء

كان عليّ أن أموت صغيرًا

قبل أن تفترسني الوردة،

و ينحت الفنان النظيف من عظامي القلائد

و الأقراط:

 

الفنان النظيف و الوردة النظيفة

يرسم الفنان النظيف الوردة النظيفة

في حجرة ممتلئة بزجاجات البيرة

و العرايا

لافتة الفنان النظيف

الفنان النظيف يحب الوردة

 

الحب للوردة و الوردة للسكاكين.

 

أيتها السكاكين المسكينة

أيها الجسد الإنساني القذر

أيتها الكلاب المعبأة بالمقانق و المحبة و عبير النعناع

أنا رياض الصالح الحسين

عمري اثنتان و عشرون برتقالة قاحلة

و مئات المجازر و الانقلابات

و للمرة الألف يداي مبادتان:

 

للمرة الألف يداي مبادتان

كشجرتي فرح في صحراء

الشمس الشمس

الشمس الناضجة

الشمس المدورة كنهد

المنتشرة كالطاعون في القرن التاسع عشر

المضيئة كعيني طفلة بقميص شفاف على البحر

الشمس الشمس

تمرّ بأسنانها على عنقي اليانع

و تقضم أيامي كما يقضم الطفل تفاحة أو قطعة بسكويت

فتنقفل يداي على صدري

يداي، كخطى الجنود، مبادتان

أسأل صديقتي

(صديقتي لحم و دم و خراب)

في الشارع أسأل صديقتي

(الشارع ضيق عندما نبكي

قليل عندما نشتاق)

أسأل صديقتي:

لماذا، للمرة الألف، نباد؟

منقطعان عن الحب

ممتلئان بالخنادق كامتلاء دمية بالقش

و بعد قليل يغطي الغبار جسدينا

بعد قليل نتشبث بغصن التعب.

متعبان اليوم

و ربما غدًا، أيضًا، نكون متعبين

فمي مباد و لذا لا أستطيع أن أسرقك

من البرد

في المقهى ننام

في الشارع نبكي

من الحقل مطرودان

من المدينة أيضًا

السيارة أداة للقتل

و غصن الزيتون مشرط لإقتلاع جلدة الرأس.

 

 

 

جرثومة النبع

 

و الآن تعالوا لنحتسي قليلاً من الدهشة

و الآن تعالوا لنمزّق خطانا المترددة

و نلفّ أوجاعنا بورق السجائر الرقيق و ندخنها باطمئنان

فالمرأة و الرجل

الصحاري و البحر و أشجار الصفصاف

الدموع و معامل الإسمنت و الحيوانات

كلها الآن مغلفة بالكرتون و الخشب الافريقي الراقص

تنتظر على السفينة الكروية الصلدة

و بعد قليل ستتقدم البذلة الأنيقة

التي تحتوي رجلاً لامعًا

لتقدم الهدية إلى وحش رؤوسه بعدد

القارات و المدن و القرى

وحش لا يملك أوصاف داريكولا

فأنيابه مهذبة للغاية

و لديه امرأة جميلة و لطيفة

تأكل قلوب الأطفال ببراعة لاعب شطرنج ماهر

و أما هو فيحبّ الويسكي المثلج

و قزقزة الحبال الصوتية للبلابل

و أنا..

"تعرفون أن أنا هو أنتم"

-هكذا يقول شاعر شحيح من بلاد القبعات الواسعة

و المسدسات السريعة الطلقات-

..أنا أحتفي بقدوم المآسي

و لديّ قدرة مذهلة على هضم الأوجاع و الصفعات الرتيبة التي تأتيني كل صباح مع فاتورة استهلاكي للأوكسيجين من المنتزهات العامة

أحبّ صبيّة بعيون و أضراس و أنف و قدمين

صغيرتين مقشّرتين بمساحيق غسل الثياب

و في إحدى زوايا غرفتي قميص و بنطال و حذاء

للرقص زائد عن الحاجة

أوقاتي مقطعة

و مساحات عمري بتضاريس تجريدية

و أما جسدي فوكر للفئران

و أما جسدي فمصيدة للفراشات الهاربة

و كم أودّ لو يأتي يوم

لا يكون فيه السندويتش بثمن

و القبلة بثمن

و القبر بثمن

فعندما يمرض النبع

و تضع زهرة المشمش السمّ في فنجان القهوة الصباحي

لزهرة البرتقال

سيتساقط الليل بغزارة

و الزجاج بغزارة

و الفقراء بغزارة

و الرصاص بغزارة

و المدن بغزارة

و عندما نحب بعضنا تمامًا

و تقول لي البلاد كل سنة أن جواربها

العشبية قد تمزقت بحمّى الفرح

فسأزرع أمام كل بيت دمية للطفل المشاكس

و أعطي صبيّة لكل فتى كئيب من بلدان العالم الثالث

و قيدًا للقنابل النيترونية الخرقاء

و زجاجة عطر لأمي في عيد ميلادها

و لحبيبتي جسدي

و الراتب القليل الذي أحصل عليه

لقاء قراءة المراثي على قبور أصدقائي.

انظروا.. انظروا

أنا لصّ الأزقة الخرساء

أحمل بيدي مفاتيح العالم

مفاتيح دور سينما ملّ روّادها الحالمون

النظر إلى مسدس الشريف و القبلات

الهوائية

مفاتيح بنوك متخمة بالمعاملات و الموظفين

و الشرطة

مفاتيح قرى تلملم نساؤها روث الحيوانات

من الحقول ليخبزن عليه فطائر

الزعتر الشهية

مفاتيح لمخترعي الأسلحة الذين يصنعون كعك

الموت لأقاربهم و أطفالهم الأعزاء

مفاتيح بيضًا للسلام

مفاتيح حمرًا للثوار

مفاتيح زرقًا للعشاق

و لكن –و أقولها بأسف شديد-:

إن المفتاح الزيتي الصغير الذي كان تحت وسادتي

يوم الخميس قد سرقه أحد الأغبياء-

و ها أنذا أقضم أظافري و أفكر بحزن:

فليلة السبت لن أستطيع أن أنسلّ إلى بيت

حبيبتي لألعب معها بالورق

و لذا قررت أن أموت لمرة واحدة

بدلاً من الموت سبع مرات في الأسبوع

و بما أنني لا أملك تابوتًا و لا قبرًا و لا كفنًا

فلقد قررت أن أحيا بعدد الموتى

و أفتح دكانًا لتوزيع الحب عليكم من خلال هذه القصيدة!

 

 

 

أقمطة و نياشين و ولاّعات للرجال السعداء

 

-لا ماء في البحر

لا حياة في القبلة

لا عدالة بين نابي أفعى

و لا شمس ساطعة في قلبي

قطيع من الموتى في فمي

و الغسيل على الشرفات-

 

موظفون لزرق الكآبة في الشرايين

ملائكة بقوانين حمورابية لإغتيال الموتى و الأحياء و القبور

محاسبون لإحصاء الأظافر و الأيدي

و الرؤوس المتعبة

ثيران بقوائم لطيفة لشرب البيرة و إصدار المراسيم

حشرات ملوّنة على الشرفة

و فراشات كالحة على الرمال

عشاق فاشلون

لوحات تشكيلية فاشلة

ربطة عنق ناجحة

دوائر، و امرأة محطمة

صورة بإطار. صورة بلا إطار

صورة بيضاء. صورة سوداء. صورة سكوب بالألوان

و لكن ليس هذا هو العالم كله:

فالرمال ما زالت ناعمة و دافئة

و البحر ما زال يرسل للصيادين الخرافات و الأسماك

ماء النهر صافٍ

و الأطفال ما زالوا يحبون الفستق

ثمة رجل يبحث في جيوبه عن امرأة

ثمة امرأة تبحث عن حذائها في الطريق

و الصغار يستطيعون أن يبتكروا ألف لعبة

بإصبع واحدة من الطباشير

إذن، لا تحلموا بالشمس كثيرًا

فالشمس ستشرق في الساعة السادسة

و الثلاثين دقيقة حتمًا

إذن، لا تسألوا العصافير عن لون السماء

في البلاد البعيدة

لا تسألوا الزمن عن الذكريات

لا تسألوا الأشجار عن نكهة الفؤوس في الخاصرة

لا تسألوا الصعاليك عن رطوبة الأرصفة

لا تسألوا التوابيت عن رائحة الموتى

لا تسألوا القتلة عن رائحة الدم

و لا تسألوا سمر عن قلبي

فالأسئلة البسيطة قذيفة

الأسئلة المعقدة انتحار

و نحن سكان الأرض الأسوياء

من الأفضل أن نوزّع الأقمطة و النياشين على مغتصبي العالم:

 

"من الأفضل أن نوزّع التعب الإسبارطي و النقود البيزنطية على الناس بالتساوي"

هذا ما قالته المرأة الواسعة التي مسحت أحذية القادة

بلسانها الملتهب

و كانت تقول لي:

و أصابعها تتحرك كقطيع من الوعول في شَعري:

ألديك غرفة بطول قامتي؟

و هل نافذتها تطلّ على الشارع أم على المقبرة؟

المرأة التي عبرت المجنزرات بين نهديها كسرب من النوارس البيضاء

كانت تقول لي أيضًا و هي تنتحب بانفطار:

لماذا لم أعد أراك؟

لماذا لم أعد أراك في المطر؟

هل أخذوا منك معطفك الداكن ليمسحوا به أحذية الملوك؟

المرأة التي تركت على سترتي صوتها المضيء

تهتم بالحب و الأغاني المكتوبة

و تقول لي:

أتريد أن تقبلني؟

أتريد أن أقبلك؟

إذن، اغمض عينيك و دع الشرفة مفتوحة

المرأة التي لم تقبّل أحدًا منذ معركة واترلو

معركة العلمين

مذبحة دير ياسين

و مذابح العالم الأول و الثاني و الثالث و الرابع

كانت تقول لي و هي تضع يدها الطرية

على صدري:

قلبك لم يعد طريًّا

و نبضك يدق ببرود

فهل جعلوا من قلبك منفضة لرماد سجائرهم؟

و من شرايينك أحزمة لبواريد جنودهم؟

المرأة التي كانت تبكي في الأزمنة البعيدة

كانت تقول لي:

ألديك أصابع؟ أين هي أصابعك؟

هل سرقوها منك دون أن تدري؟

هل أخذوها عنوة بمساعدة السكاكين؟

هل سقطت منك و أنت تركض في الليلة

الفائتة وراء ظلّك؟

و كانت تقول لي –المرأة اليابسة كقشور الكستناء-

الممتلئة كالكستناء

الناعمة كالكستناء

الطيبة كالكستناء:

أمس لم يسأل عنك أحد

لا ماء في البحر

و لا سمكة على الشاطئ

أمس لم يسأل عني أحد

زارني الموت و لم يكن على الرفّ قهوة

و لأن الموت يحب القهوة مثل جميع الناس

فلقد قلب شفتيه و صفق الباب وراءه

و مضى في قطار العتمة.

و كانت تقول لي:

أنت لا تبكي

أنت لا تبتسم

فمن احتسى دموعك بدلاً من الفودكا بالبرتقال؟

و من أكل ابتسامتك بدلاً من فطائر الكبد المشوي؟

فمك مغلق، و لسانك مصفّد

تُرى، هل تختبئ في فمك أغنية أم نقالة موتى؟

حديثًا عن عطلة نهاية الأسبوع؟

أم طفلة بعينين مفقوءتين؟

هل نسفوا لسانك أيضًا؟

أم ثبتوه بسقف حلقك بالدبابيس الفضية؟

و كانت المرأة التي تعدّ على أصابعها قتلى

حروب الطبقات تقول لي:

هل تعرف نيرون؟

هل قرأت عن نيرون؟

نيرون لم يكن مذهلاً لكنه أحرق روما

أنا هي عاصمتك المحترقة

و أعرف أنك لست نيرون

و لكن قل لي:

هل تحبني؟ هل تحبني؟ هل تحبني؟

 

هذا ما قالته المرأة الواسعة قبل أن تحمل

مظلتها الضيقة

و تمضي في المطر الناري

و أنا –المهذب، المهذب، المهذب-

إلتففت بمعطفي و مضيت

و أنا أذكر أنها قالت:

من الأفضل أن نبتلع المجنزرات

بدلاً من حبوب الكورسيدين!.

 

 

 

سطور من كرّاسة الحطابين الأشرار

 

لصرير مفاتيح الريح

لوجه القمر المجدور

لنهار دثّر بالضوء المدن المضنية بالضجّة و الزوّار

المدن المحقونة برئات الموتى و حبوب الـ SIPON

لأيدٍ تحمل أزهارًا أو أسلحة

لجماجم من قُتلوا في الليل

و كان القمر كثيفًا

ليعاسيب الأحراش المغسولة بالخضرة و الدمّ

و للحب و للحرية كنّا نغني

نحن الحطابين الأشرار

نذهب في جهة ضيّقةٍ

أو قنبلة سيئةٍ

نكتب أسئلة فوق ضروع الأشجار:

 

 

 

1 – الحب

 

أن تحب امرأةً من صفصاف و أعشاب نارية

أن تمتلئ يداك بالمسامير و البراكين الميّتة

أن تسوّي من خصلات شعرك بيتًا صغيرًا

لعجوز وحيدة

أن تذكر أكثر مما ينبغي:

- الضفادع المنفوخة على ضفاف المستنقعات

- الصنوبر المنثور على الألواح الطينية

- القرنفل الأسود الذي حمله دوري بمنقاره الصغير

إلى ساحرة تعيش في كهف معتم

على قمة الجبل

أن تشرب كل يوم برميلاً من بول الموتى

و تأكل ستّ فؤوس و صمامًا لعنفة معطلة

أن تعبئ قلبك بمصانع الأحذية و الثلوج الملوثة

بالطين و الأرانب المسلوخة ببلطة كان يجب أن تقطع عنق نابليون أو غارودي أو تقطع عنقك

 

أن تموت بشكل مناسب و بإذعان فأرة وجدت نفسها في مصيدة فولاذية و لا أبواب أو نوافذ للريح

 

أن تحب امرأة بجنون أحلام هتلر الذي كان

من الممكن أن تكفي رصاصة واحدة لتفجير دماغه

أن تضع المسدس على صدغك مثلما تضع قطعة كاتوه في فمك

أن تضغط على الزناد مثلما يضغط عاشق بائس

بكفيه على كتفي حبيبته

أن تنظر بشراهة إلى الأفق الرمادي البعيد

و أنت ترتدي قميصًا من الطحالب

و البثور، و حذاء من البكاء و الأقبية

و أجنحة الدجاج

أن تحب امرأة:

- تحت إبطها يجري نهر أزرق

- في فمها تعوي حقول الإجاص

- في مركز السرّة تمامًا سهل أخضر بين فكي شمس

أن تحب. أن تمتلئ. أن تسوّي. أن تذكر.

أن تشرب. أن تعبئ. أن تضع. أن تضغط.

أن تموت. أن تنظر. أن تحب. أن تحب-

يعني ببساطة بأنك تستطيع أن تكون

جديرًا هذه القصيدة:

 

 

 

2 – الأيدي

 

بيدين ملطختين بالأزهار

بيدين معجونتين بالحمى و الحشرات المؤذية

بيدين متسعتين كقلبي

بيدين تستطيعان أن تستكشفا أسرار الأزهار

و أسرار المصفحات الرهيبة

بيدين من أوراق الدوالي و الأفران و السهول

و الرغبات المحمومة

بيديّ هاتين أبسط لكِ سجّادة الزمن البارد

-أيتها المرأة الوسيمة-

و أدعوك للحياة بحرارة

و أدعوك لنسيان السمكة التي هربت من البحر

لتتلقفها السماء و ترسلها مخفورة بالعواصف إلى الأرض

ليتخذها الشرطي خليلة لبضعة أيام

و يقتلها، من ثم، بالغازات المسيلة للدموع.

و بيدين مصفدتين بالأسمال و البواخر المثقوبة

و البعوض

أمزق –أمامك- أنسجة جسدي

لتري الفوهات المعتمة

التي حفرتها فيه الأسلحة البيضاء و السوداء

لمن امتلكوا –طبقًا للقوانين النافذة-

فرح العالم كله

و تركوا لنا:

- المحارم الورقية الرخيصة لمسح العرق

- الأيدي لنستمر بانتاج قوارب السباق الشراعية

- العيون لمشاهدة حياتهم الباهرة

على شاشات التلفزيونات الملوّنة

و نحن ملوّنان أيضًا:

في عنقك أغمدت ثلاث كرزات

و سرقت من فمك وردة

و نحن ملوّنان أيضًا:

على ظهري سبع عشرة حفرة زرقاء

و من حلقي يندف الثلج بغزارة

و ها أنني أبتسم لك بهدوء

سأحبك أيها (أيتها) العشب

سأشرب حليبك الوفي دائمًا

و مع ذلك سأظل جائعًا بشكل ما إلى الخبز و المسرّة

و لأنّني مهشّم كثيرًا بالفؤوس

التي صُنعت لتقليم الأشجار

و لأنني أشتعل لأضيء قبور موتاهم

و لأنني أهتم بالقبلة أكثر مما أهتم بالماركات الجديدة

للمسجلات اليابانية

سأستطيع، إذن، أن أرسم الخطوط الصغيرة

و أحلّ ببساطة معادلة الحياة التالية:

 

 

 

3 – الحب، أيضًا:

 

لقد قدّموا لنا خبز الجوع في صحن من الكريستال اللامع

لأن بطوننا الصغيرة لا تستطيع

أن تتحمل كثافة منتجات الأرض الغذائية

لقد قدّموا لنا جثة الأرض في تابوت من المرجان

بدعوى أنهم لا يعرفون كيف يمكن حفر قبر لائق بها

لقد قدّموا لنا الأوبئة لنتمكن من المحافظة

على ضغط السكان في المدن الكبيرة

بمعدله المتوسط

لقد قدّموا لنا الرصاص لنتسلى بقتل أنفسنا

بدلاً من أن نتسلى بالشطرنج و المطالعة

و النزهات و اختراع طرق جديدة للتقبيل

أما نحن فلا نستطيع أن نقدم لهم الحب

لأننا نريد أن نعيش:

 

 

 

4- الآنسة "س":

 

أنا صديق الآنسة "س"

ذات الشَعر الخرنوبي الخفيف

"س" التي يركض في شَعرها حصان هائج

و ساقية أنين

تبيع (الشيكلس) في المحطات حتى الغروب

و تعود إلى بيتها بصدر معبأ بالليل و النجوم

و الأحلام اليابسة و قصاصات الجرائد

و "س" التي اكتشفت قبل أيام أن فورستر

يفرم ألسنة الأطفال الافريقيين

و يصدّرها معلبة إلى القارات الخمس-

نامت في فراشي البارحة

بعد أن نفضتْ عن شعرها الخرنوبي الخفيف

ستَّ مدرعات محطمة

و حقلاً من الذرة الصفراء

"س" المملكة المفتوحة للجميع

بجسدها المتين و قلبها الطيب كالدراق-

سألتني مرة بخبث: ما الأرض؟

قلتُ: "الأرض جرح متوهج و دم غزير

و ألم مرتبك"

و عندما كان العمال الموسميون

يبنون بأعضائهم شاليهات لبورجوازيي المدن

سألتني مرة ثانية بخبث أشدّ و هي ترسم

بإصبعها الأنيق على الرمل تفاحة معطوبة:

ما الأرض؟

قلتُ: "الأرض سرير تنام فوقه امرأة ميتة

و بجانبها يبكي رجل بائس"

و في اللحظة التالية

و مثل أي شيء آخر

تنشقت "س" الغبار الأسود الذي تفرزه

سيارات تملكها ثيران بقرون ذهبية،

و أضافت: إذن، ما الفرق بين

السرير و الجرح!؟

(لقد دفعتُ ثمن السرير جرحًا

و ثمن الجراح حاضرًا قتيلاً

و لم أستطع أن أشتري لـ "س" زهرة لوتس

أو اسوارة بلاستيكية

بعملة عمري المحطم

فماذا يقول السيد كارتر الذي يتبرع كل يوم

بعشرة سنتمترات من دمه لأحد قرود حديقة حيوانات تكساس؟

و أنا صديق الآنسة "س"

ذات الشعر الخرنوبي الحفيف

التي تتعفن تحت لسانها ليمونة من الأسئلة

البسيطة و المخيفة

انتظرتها على السطح

فجاءت بقميص مطعون بالنجوم و الأحلام اليابسة

و كان عليّ أن أقبّلها

و أعتقد بأنني فعلت ذلك بشكل جيد.

 

 

 

خراب الدورة الدمويّة

 

استلقي باص جسده

أو انتظريه في المحطة التالية

فهو الآن متهم لأنه قتيل

و متهم بتخريب الدورة الدموية:

القبلة الأولى رصاصة

الطلقة الأخيرة حب.

 

 

 

1 – صورة شخصية لـ ر. ص. ح:

 

يركض في عينيه كوكب مذبوح

و سماء منكسرة

يركض في عينيه بحر من النيون

و محيط من العتمة الطبقية

في عينيه –أيضًا-

تركض صبيّة جميلة بقدمين حافيتين

يغنّي:

لقد كانت طريّة.. طريّة

كالثلج و الينابيع

لقد كانت سنبلة طريّة

و لذلك التقطتها بمناقيرها العصافير

لقد كانت طريّة.. طريّة

تركض بقدمين حافيتين فوق سهل أجرد.

 

 

 

2 – حلم:

 

منْ يقطن في جسد "يانافالينتوفا"

الطافح بالغزلان و أشجار البلوط

المعبأ بالمعجزات الأرضية المشاعة؟..

منْ يغتسل من محيط عينيها

و يتبلل بالنوارس و أصابع الصيادين السعداء؟..

ها أنذا أتفقد مكتبة أيامي

فاتحًا كرّاسة الأنهار،

لأقرأ في خطوط يديها:

تضاريس الريح

و أمجاد الأمواج البرية

أتفتت في مناخ قبلاتها:

أسماء خضراء و غابات سالكة

ممالك تفتح أبوابها لفرسان الدهشة

لعصافير الدوري المتفجرة بالغبطة و الأناشيد.

 

 

 

3 – عشب:

 

جلسَ العاشقان على العشبِ

جلسَ العاشقانْ

خلفهما جثة لا تحدُّ

و بينهما جثة و دخانْ

 

 

 

4 – أغنية:

 

مزرعة للوفي، يدك التي تمتدّ لا ترجعيها

شفتي لغة ملطخة بالضنى..

الآن تتمدد على سرير جسدك الوثير

ترتمي بين أشجار عينيك ذاكرتي

و أنا متشبث بضفائر يديك

أفتح نافذة للحديث..

و بلحظة يقتنصك الغياب

أو تصبحين فريسة للأغاني!.

 

 

 

5 – أسئلة:

 

أيتها البلاد المصفحة بالقمر و الرغبة و الأشجار،

أما آن لكِ أن تجيئي؟!..

أيتها البلاد المعبأة بالدمار و العملات الصعبة

الممتلئة بالجثث و الشحاذين،

أما آن لكِ أن ترحلي؟!..

 

 

 

6 – مدينة:

 

يركض في دهاليزها فرس شوكيّ

يحكّ بقوائمه ظهرها الطافح ببثور الجرب

هي.. هي

المدينة-المئذنة

ثمة طاووس وحيد في حديقتها الواسعة

يفرد بزهو ذنبه الملوّن، لينظر إليه:

أ- ماسح أحذية ذو عينين حزينتين

و وجه ملطخ بالبويا

ب – امرأة شقراء عيناها جرح و وجهها كآبة

ج – بائع بطاقات يانصيب خاسرة سلفًا

د – كاتب هذه القصيدة المطرود من عمله لأنه حاول التأكيد على أن الأرض توقفت عن الدوران، و أن الأبيض لم يزل أبيض و الأسود لم يزل….

 

 

 

7 – حوار:

 

قلتُ: للبحر أجنحة

و مراكبنا الريح قد سرقتها

و تناثر شاطئ البكارة في حقائب قراصنة البرّ

فإلى أين أذهب

و أنا متسخ و عارٍ

مثلما القمر في منتصف ليلة صيفية؟.

قلتِ: اغتسل بماء صوتي

و ارتدِ قبلاتي

قلتُ: قاطرة الوقت قد أنهكتني

فالقرى مدية تحتزّ وريدي

و المدن الصخرية امتلأت بي ضجرًا

و ها أنا أتيبّس بين اثنتين:

- خطوة و سكاكين..

- خطوة و قرنفل..

أصبح الصوت سوطًا

و الحذاء قبعة

و الحدائق مستشفيات

و مكاتيب الغرام قنابل موقوتة..

فمن أين أبدأ؟.

قلتِ: فلتكن في البداية مذبحة الأبجدية!..

 

 

 

8 – رقص:

 

أسقط في حضن حبيبتي

شمسًا باردة

هواءً مختنقًا

أسقط في حضن حبيبتي

جسدًا مسكونًا بالجوع

مصفدًا بالحبر و الأحذية

أفتش في حضن حبيبتي

عن أغنية شرسة

و لحن مفترس

و…

- هل تحبين الرقص يا حبيبتي؟!....

 

 

 

9 – امتلاك:

 

حادّة كالشفرة

صلبة كحربة فولاذية تخترق القلب

واسعة كالمحيط

جميلة كالفرح

مضيئة كالضحكة

حبيبتي الممتلئة بالأعياد

شهية كرغيف الخبز

طيبة كبرتقالة

أما أنا..

فلا أملك إلا هذه الكلمات

و بعض الذكريات التعيسة

المحفورة بضراوة على ميناء جسدي.

 

 

 

مارسيلين العصر النيتروني

 

في عصر الحب البلاستيكي و القلوب البلاستيكية

ثمة قطارات تذهب بالجنود إلى الموت في الأعياد

و ثمة مهرجون يبكون على أنفسهم سرًّا

و يُضحكون الآخرين على الحلبة

في عصر المدافئ الغازية و الاختناق بالغاز

أشم أصابع حبيبتي

و أشرب ذكرياتها البليدة

هذه الفتاة تثرثر كثيرًا عن الحقول

و تجمع صور الأطفال

كهاوية طوابع محترفة

حتى أنها لا تستطيع أن تقتنع

بأن الأمهات سيكففن عن الإنجاب

لأننا نعيش في العصر النيتروني

 

إننا نعيش في العصر النيتروني

عصر القبلات السريعة في الشوارع

و الإندحار الفادح في الشوارع أيضًا

إننا نعيش عصرنا الضاري

عصر الجواسيس الذين يقدمون لك القهوة

مع المورفين

عصر الطائرات التي تطعم البشر القنابل

و الألعاب

إنه عصرنا النيتروني

عصر الأحذية المثقوبة و الكلابات

عصر التعب البطيء

من الساعة (صفر) حتى الساعة الخامسة و العشرين

و من عصرنا النيتروني

عصرنا ما قبل الأخير

ندعوكم: تعالوا..

أيها البرجوازيون التعساء

تعالوا و شاركونا النحيب و السجون و الأغاني

 

و هنالك قيد واحد و هناك أغانٍ تترية

و هنالك أسرّة بعدد العشاق

و توابيت بعدد اللصوص

و هنا.. هنا

رجل معتم و امرأة معتمة و سبعة عيدان من الكبريت

عود كبريت واحد يكفي:

لإضاءة شمعة

أم لتفجير مدينة؟

عود كبريت واحد يكفي:

لتحضير كأسين من الشاي

أم لتحضير محرقة للملحدين؟

عود كبريت واحد يكفي:

لتنظيف الأسنان

أم لإخفاء معالم جثة مغتصبة؟

و هنا.. هنا

حتى الموتى يمكن أن يتألموا

و حتى الموتى يمكن أن يتقنوا الرقص

و حتى الموتى يمكن أن يتلوثوا

إننا ملوّثون للغاية

ملوّثون بالحروب و ملوّثون بالمجاعات

نحن الموتى الموسميون:

شراييننا محقونة بالضجيج و مقابرها

محقونة بالدخان.

نحن العشاق الموسميون:

قلوبنا ملطخة بالأرق و ليالينا ملطخة بالآهات

 

نحن العمال الموسميون:

مرهقون دائمًا و ليس أبدًا

مرهقون منذ الأهرامات و حتى جوهرة

بوكاسا الفريدة

 

في عصر الرؤوس المفلطحة

و مصانع الحب التكنيكي

و أرغفة الجوع الفاتك

في زمننا الحقيقي الاسطوري هذا

نخرج إليكم.. نخرج إليكم

لا من القبور و لا من المحيطات

لا من الكتب و لا من الجدران

نخرج إليكم.. نخرج إليكم

و بأيدينا كل شيء..

بأيدينا القمصان الملطخة بالزيوت و الطين

بأيدينا مساحيق الـ د. د. ت

شفرات الناسيت الحادة

انتظارنا العادل و دساتيركم البارعة

نخرج إليكم.. نخرج إليكم

لسنا أشرارًا و لا مهذبين

لا نحب العنف و لا نكره الطيور

و أجسادنا تفوح دائمًا برائحة المعادن و اليانسون

نخرج إليكم.. نخرج إليكم

بشرفاتنا و أيامنا التي تتساقط كالذباب

بزمننا المعطوب

ببيوتنا المعطوبة

بأجسادنا المعطوبة

بأحلامنا المعطوبة و فاكهتنا المعطوبة

نخرج إليكم.. نخرج إليكم

نحن مواطنو العصر النيتروني

عصر الرؤوس المزروعة بالألغام

و القلوب الطافحة بالأغاني

 

إنه عصرنا النيتروني

عصر المساطر و المراثي و الدبابات

إنه عصرنا النيتروني

عصر الشجر النووي و العصافير النازية

و الإذاعات و عصر المواعيد الفتية:

مع المدافن نهار السبت

مع الحزن نهار الأحد

مع الخنازير نهار الاثنين

مع الجنون نهار الثلاثاء

مع الرشيشات نهار الأربعاء

و مع الموت الوسيم

إنه عصر المواعيد الفتية الخائفة في جميع الليالي

و في جميع الليالي

في جميع الليالي

لكِ موعد مع قلبي.

 

 

 

عيد للقبلة... أعياد للقتل

 

- منذ سنة صدمت امرأة وحيدة في الشارع

تلبس بذلة باهتة و لكن عينيها لامعتان

صرنا أصدقاء بسرعة

و بعد أيام تبادلنا القبلات و الأحلام

و كان اسمها: س –

 

 

 

-1-

 

كان اسمها: س

تحب الماء

و الرحيل في زورق إلى المدن الجميلة

شعرها يتطاير مع الريح كالعصافير الخائفة

و يداها زهرتان حول عنقي

و كانت تحب غرفة صغيرة في قطار

و كتابًا لرامبو تخبئه بين ملابسها الداخلية

في حقيبة سوداء تحت السرير

و كانت، أيضًا، تحب الأعياد و الأطفال

و تكره الجواسيس و القتلة القانونيين

كان اسمها: س

ضفيرتان من أوراق البرتقال و الملمس الناعم

تحب الرمل و القبلة

و تحبني أيضًا:

 

"حينما كنت صغيرًا كغرسة الحمص و أليفًا كالهرة

سألتني سيارة هرمة

بعد أن لطخت وجهي بالطين:

بماذا ستغتسل في المستقبل؟

آنئذٍ، فتحت الباب و دخلتْ "س"

 

 

 

- 2-

 

فتحتُ لها الباب و هي خائفة

جلستْ على السرير بانفعال

نظرت إلى زوايا غرفتي كلصّة و تنهدت

- علينا أن نأكل كثيرًا يا صديقي و نموت

فما عاد في الأرض متسع لنا

قرأتُ لها قصيدة فبكتْ

حدثتها عن العمل

و حدثتني عن الأقفاص النظيفة

- حبة برتقال واحدة

و سبعة عشر ألف متسوّل

ماذا يعني؟ -

خلعتْ قميصها و اغتسلت و جلست على السرير

نظرتْ من النافذة الضيقة و تنهدت

- غدًا من الممكن أن أنتحر

الآن علينا أن نحب.

وضعت على عينيها منديلها الملوّن و نامت

أما أنا..

فلقد نظرت إلى صدرها المتدفق بإمعان

و رقصت بلا رغبة:

 

"في التاسعة عشرة وضعت على رأسي قبعة

و حملت كلاشينكوف

أكلت السردين كثيرًا و الغبار

و كنت كلما جرّدت مَنْ يقتله الأعداء مِنْ أشيائه القليلة

أجد بينها صورة فوتوغرافية لـ: س"

 

 

 

- 3-

 

على الرصيف تقابلنا

كانت تمزق دفتر مذكراتها و تبكي

أمسكت يدها بعنف و سرت معها

و في زاوية ما

في مقهى ما

في شارع ما

شربنا الشاي و تبادلنا القبلات

لكن جسدها النحيل ظلّ يرتعش بقوّة

حتى خفتُ أن يتفتت

مثل كتلة من الطين لم تر الشمس

منذ ألف عام:

 

"من روزا لوكسمبورغ حتى فاطمة برناوي

كان جسد من أحبها معجونًا بالجراثيم

و القنابل الموقوتة

و كان قميص من أحبها مبلّلاً بالزهور

و أناشيد الرعاة.

من روزا لوكسمبورغ حتى فاطمة برناوي

كانت يداها تضيقان تضيقان

حتى تصبحان بحجم جثة

و عيناها تتسعان تتسعان

حتى تصبحان بحجم قبلة

و أما قلبها فبصخب كان يدقّ، و باستمرار أيضًا

تك. تك. تك:

نحن معًا في الطلقة

و نحن معًا في الأغاني

من روزا لوكسمبورغ حتى فاطمة برناوي

سأقول لكِ: حدثيني

عن الطفل الذي يرضع الحمّى من ثدي الأرض

عن الدروب المقفلة

عن العيون المفتوحة على جهنم

و عن الأجساد المفتوحة على البحر

سأقول لكِ حدثيني.."

 

لقد قدّمت نفسها للبحر

ببساطة و حب و لامبالاة

قدّمت نفسها للبحر

هل هذا شيء مثير للضجة؟

هل ستتحدث عنها النسوة تحت القناديل؟

هل سيحتفظ الرجل برسائلها في صندوق

بثلاثة أقفال

أم سيقدم للنار كلماتها المعذبة؟

الأمر الوحيد هو أنها قدّمت نفسها للبحر

كما تقدم الأم حلمة ثديها لأول مرة

للوليد الجديد

و البحر الواسع، الصاخب، الممتلئ

تلقف جسدها بشفتيه الرقيقتين و سكت

أما هي..

فلقد ضمّته إلى صدرها بقوة و.. عاشت

كانت امرأة وحيدة

بلا أساور أو بيت أو عشيق

و لذا قدّمت نفسها للبحر

فهل هذا شيء مثير للاهتمام؟

 

"أصبحتُ في الثالثة و العشرين

رجل بوجنتين شاحبتين و مستاء للغاية

ودعت (س) بعد أن تركت على عنقها

دمعة حارة كالفلفل

و ها أنذا أعمل لأشتري لها تفاحة و رغيفًا

و لكن ثمة من أخبرني

بأني سأجد في التفاحة دودة

و في الرغيف صرصارًا ميّتًا

فإذا تركت الرغيف و التفاحة سأموت

و إذا أكلتهما سأموت

و في الحالتين سأخسر نفسي

في الحالتين سأخسر س"

 

 

 

- 5 -

 

ماذا نفعل

إذا كان ثمة عيد واحد للقبلة

و أعياد كثيرة للقتل

ماذا نفعل؟

 

 

 

رقصة تانغو تحت سقف ضيّق

 

قلبي سائغ للقضم

ملجأ للأرانب الزرقاء

سمكة قرش بزعانف من صبار شرس

قلبي سائغ للقضم

و يتحرك ببطء على بلاطك الشوكي أيتها الأرض

أيتها الأرض الممتدة من الموت بجدارة

على نصال الخناجر

إلى الموت بجدارة أشد

بواسطة حبل يتدلى من شجرة زيتون مغبّرة

أيتها الأرض المعبأة بالأخاديد

المطلية بالحصى و الرصاص

المرتدية عباءة من جسور تصل دائمًا:

بين القبور و الموتى

بين الجرح الأبيض القانوني

و الجرح الأسود الخارج على القانون

بين القفص الفضيّ الجميل

و القفص الذهبي الجميل أيضًا

أيتها الأرض المكفّنة بالصور الملوّنة لتيمورلنك

و سالومي

مدّي لي لسانك البارد لأعضه بعيظ

مدّي لي شفتيك المهترئتين

لأانثر فوقهما رماد جسدي

فمن الممكن جدًّا

أن تنفلق ذرّة واحدة على الأقل

لتنسلّ منها زهرة بيضاء

مثلما انفلقت –بالأمس القريب- الخلية الأولى

ليخرج منها البشر مسلّحين بالمِدى

الحيوانات مسلّحة بالأنياب

الجبال مسلّحة بالبراكين

السماء مسلّحة بالصواعق

و أنا مسلّح بقلبي

قلبي السائغ للقضم

باستطاعة أية امرأة أن تمدّ يدها إلى صدري

و تسحب قلبي منه بمرونة

و هذا ما حدث تمامًا:

ثمة امرأة وضعت قلبي

-قلبي السائغ للقضم-

في كأس صغير

و أضافت عليه قليلاً من الماء و السكَّر

و كان بودّي أن أسألها بمرارة:

لماذا شربت قلبي على أنه عصير برتقال

و لم تأكليه على أنّه  برتقالة؟

و لكنها –على الأرجح-

كانت ترقص التانغو تحت سقف ضيّق!.

 

 

 

مساء هادئ فقط

 

هذا المساء هادئ أكثر مما ينبغي

هذا المساء ليس هادئًا

فأنا رجل أو حزمة ديناميت

و تحت إبطي إوزّة حمراء أو خرتيت أسود

المرأة ذات النهد المعشب و اليدين الصريعتين

نامت مع زوجها على السطح

إذن، هذا المساء ليس هادئًا

الفلاح الملتحي لم ينم هذا المساء

فلقد سرق دجاجة سمينة بالأمس

و ضبطت المفرزة الجنائية عظامها في برميل الفضلات

إذن، هذا المساء ليس هادئًا

فريتا الجريحة ماتت في الغابة

و غطتها الأغصان الكثيفة و المستنقعات

إذاعة (مونت كارلو) لم تذكر شيئًا عن ريتا

سيداتي، سادتي:

قُتلت القطة لوسي تحت عجلات القطار

و لم يستطع المستر X

أن يمارس واجباته

الزوجية بعناية

المساء هادئ جدًّا

على ضفة الميسيسبي إحدى العاهرات

تغزل الصوف و تحيك الجوارب لقتلى حروب العدالة

الشعراء يتحدثون عن الشعر...

العمال يتحدثون عن العمل

العشاق يتحدثون عن الحب

الفلاحون يتحدثون عن الأبقار

و لكنْ قل لي أيها القارئ الوسخ

عمّ يتحدث الموتى

في هذا المساء الهادئ؟

إنهم بالطبع لا يتحدثون عن لعبة الهوكي

أو الأمجاد التي حصلت عليها أميرة موناكو

لأنها عرضت ملابسها الداخلية على جمهرة من اللصوص

إنهم يتحدثون عن الموت

هل الموت قالب كاتوه أم نسناس دانمركي؟

أهو تفاحة أم بلياتشو بأنف يشبه التفاحة؟

هل الموت حلم أو حقيقة

و إذا كان حقيقة

فلِمَ لمْ يزل هتلر يفكّر بحشر الضعفاء

في أنابيب الغاز؟

و لِمَ لمْ يزل هولاكو يغتال الفلاحات

في حقول القطن؟

في هذا المساء الهادئ

ثمة شخص يرثي الجميع:

لقطّاع الطرق و أسراب النوارس المهاجرة

للغيوم الكالحة و القتلة المهذبين

و مراسيم حصر الجنسية

للعشاق الفاشلين و كلاب المدن الضالة

و في هذا المساء الهادئ

سأغلق باب غرفتي ورائي متجهًا نحو النهر

عليّ أن أتوقّع قبلة على الخدّ

أو خنجرًا في العنق

و من الممكن أن ينتظرني قمر أو قنبلة

زهرة بنفسج أو قبر

عليّ أن أتوقّع كلّ شيء

فالمساء هادئ

المساء ليس هادئًا!

 

 

 

خنجر أبيض

 

في الصيف

كان ثمة صبيّة شقيّة بعينين صاخبتين

إلتقت بي في قطار التاريخ

و أعطتني كتابًا و إصبعًا من الموز

بعد أن نظرتْ بخوف إلى الرجل الضخم

و هو يداعب فوهة مسدسه البارد في جيب سترته

و حينما طلبت منها أن تعطيني عنوانها

قالت: لا بأس

و مصّت إبهامها اللذيذ و فكرت

ثم كتبت شيئًا ما على ورقة صغيرة.

في الشتاء

حينما ذهبتُ إلى المقهى لأراها

كان وجهها أصفر و عيناها رماديتين

و في ظهرها خنجر أبيض

تتراكض عليه العصافير!

 

 

 

النهر

 

و نحن أيضًا –عرّفته بنفسي-

نسفّ حبوب العدس في الليالي المقمرة

منتظرين أن تشقَّ الشمس شارعًا

في قلوبنا الطرية

و نحن أيضًا –عرضتُ عليه صورة لغجرية

وجهها زلزال-

نحب الجسد التفاحي

و النار الزرقاء

و الأسرّة الصاحية

و في الصباح ننحدر نحو الجدول

لنغسل أصابعنا من الدبق

و قلوبنا من المسرّات

و نحن أيضًا

-أردتُ أن أجدّد كآبتي أمامه-

نبكي على نوافذ تعاستنا

منتظرين أن يأتي نهر الحرية

لنشرب منه إلى الأبد!

 

 

 

يحدث أن..

 

يحدث أن ترى بعض الأطفال يلعبون بالكرة

و هم يتحدثون عن الأسعار المرتفعة

للبيبسي كولا و البسكويت

يحدث أن تسمع بأن رجلاً في صحراء الربع الخالي

يتكلم كثيرًا عن البنكنوت و المراوح الكهربائية

يريد أن يبتلع بيضة الثورة

كما تبتلع الرتيلاء ذكرها المسكين

يحدث أن تقرأ عن امرأة أمريكية

وهبت بكارتها لسبعة آلاف رجل

و مع ذلك ما زالت تنام و هي بردانة

كالقطة في حجرة من الفخار

يحدث أن تحسّ و أنت في هذه الغرفة

بأن فاكهة الدنيا كلها

لن تستطيع أن تمنحك القدرة على الاكتفاء

و لكن الشيء الذي لم تره

أو تسمع عنه

أو تقرأه

أو تحسّه

هو أن ضوء القمر اللطيف

قد يأتي إليك أحيانًا

و جيوبه محشوّة بالديناميت و القنابل اليدوية!

 

 

 

العدالة

 

العدالة هي أن أركض مع حبيبتي

في أزقّة العالم

دون أن يسألني الحرّاس عن رقم هاتفي

أو هويّتي الضائعة

العدالة هي أن ألقي بنفسي في البحر الشاسع

و أنا واثق بأن أحدًا لن يمسكني من أذني

و يقودني – مرّة ثانية إلى القبر

بدعوى أن الإنتحار لا تقرّه الشرائع

و القوانين

العدالة هي أن آكل رغيفي بهدوء

أن أذهب إلى السينما بهدوء

أن أغني بهدوء

أن أقبّل حبيبتي بهدوء و أموت بلا ضجة

 

 

 

أساطير

 

 

1 – نهر. نهر. نهر:

 

أكسّر بالحصى مصابيح عينيك

و أفترش صخرة العتمة

أحلم بأن يديّ نهاران

و رأسي شجرة ليمون

و جسدي مزرعة للعدس

نهر. نهر. نهر

نهر من القرنفل و العشاق و العصافير الشاردة

و صديقتي لؤلؤة قمحية مخبأة في تابوت

نهر. نهر. نهر

نهر من الرماد و القتلى و المدن المهزومة

و صديقتي تضع جبينها على الوسادة و تبكي

نهر. نهر. نهر

نهر من الغضب اليابس و القبضات الصدئة

و صديقتي تفرّ إليّ سربًا من الذعر

و تختلط بي.

 

 

 

2 – النافذة و الرصيف:

 

تدخل الشمس من النافذة كملكة

من النافذة يدخل الغبار كعنكبوت

حبيبتي تطلّ من النافذة

و من النافذة أرقب شلاّلات النجوم

من النافذة تترجل رصاصة بمهابة

و تخترق جسدي بكبرياء

أتدلى من النافذة بعينين عشبيتين

و أقفز بارتياع في بحر الأرصفة.

 

 

 

3 – زهرة بريّة لعيني نيرون:

 

أنا المقيّد المنتشر

أسطحة ذاكرتي تراب

أحمل لحبيبتي أقراط اللوز و أساور العنب الأسود

زهرة بريّة لعيني نيرون

سيّد الخراب و القصور الجائعة!

و مثلما الأفراح النارية تختلج على قيثارته اليتيمة،

أختلج على أوتار حبي

مشنوقًا بأوراق الزيزفون و غبار المدينة المتهدمة

افتحي لي بوابة النهر لأغتسل

اغلقي خلفي نافذة اليباب لأنام

امتلكي دهشتي و خطاي

قبل أن أصبح دمية محطمة

ادخلي فضاء قلبي

كوكبًا مائيًّا صغيرًا

و مزّقي رئتي بالقبلات

فأنا المنفتح شراعًا فوق مركبة الخذلان

أحمل لنيرون زهرة بريّة بيدي اليمنى

و باليسرى أقبض على جمجمة البحر المتفتتة

و من شفتي تسيل ملكة الحزن و الانكسار

و أمام مذبح الوقت

أعرّي أجيالي بغبطة

أغسلها بلفائف التبغ و مقصلة الكلمات

ليغتصبها هيكلي الجوعيّ قطعة قطعة.

 

 

 

4 – كان وقتًا جميلاً:

 

لم يكن وجهها بيدرًا

حين بعثرني الوقتُ

قلتُ لها: أنت لي..

و أخذتُ رمادي من الشرقِ و الغربِ

من جهةٍ صلبتني

و من جهة أمسكتْ خطوتي قبل أن ألمسَ النهرَ

أعطيتها جسدي و بطاقةَ حبّ ملوّنةٍ

و بكيت قليلاً على صدرها الشجري

رحلتُ. وقفتُ:

ليس لي غير صوتي و نافذة و ترابْ

ليس لي غير هذا الغبار الصغير

سيخنقني جسدي

الآن تأتين مقصلة و يباب

إقرع الكأسَ بالكأسِ

موعدنا جثتان

إقرع اليأسَ باليأسِ

مدّدني جبلاً في الطريق

فشاحنة أينعت في فمي:

وردة و مصابيح ذئبية

و جزيرة موت

و لا أنتهي..

كان وقتًا جميلاً جميلاً

ضفة و رمال، و مشنقة تتدلّى

و شاخصة (سيدي) لن تش

كانت الأرض عرسًا بسيطًا

و ها جثّتي في يديّ كحبة توتْ

و بحارة ينشدون:

لقد كنت قنبلةً يا حبيبي

تفجرني، و تموتْ.

 

 

 

5 – لوسيفورس يقشر برتقالة البحر:

 

أصعد النافذة المفتوحة على ثديي قروية ترضع الأرض

شفتاي مكبلتان بالسخام و تعب الصحراء

أصعد، حاملاً المدينة تحت إبطي

بيوتًا ملطخة بالقهر و الابتسامات الباردة

أرى:

لو سيفورس يقشر برتقالة البحر

أنتحب بين يديه

لو سيفورس، اعطني سكينك و خذ جسدي

- لو سيفورس، اعطني قدميك و خذ ذاكرتي

الطافحة بالأسماك الجميلة الميتة

- لو سيفورس، اهدني مسدسًا أثقب به

جمجمة الليل أو اهدني موتًا حقيقيًّا..

فلمّا أزل متوغلاً في نفق البكاء،

أترك أثرًا، زنبقة في صدر امرأة، و أموت.

و لمّا أزل أستلقي على أرصفة الدنيا،

أحلم كخروف بالحشائش و التبغ و الجدران الخمسة

و في الصباح أترك أثرًا، بقعة دم متجمدة،

و أموت.

الرسائل أيضًا

أدسّ فيها زهور اللوتس و جوعي

و أوزّعها على بريد العالم

فيرسلون لي في طرد مضمون قنبلة ناعمة

تنسفني، و أموت.

لو سيفورس..

هل رأيت الشمس و هي تتدلى من حبل مشنقة؟

لقد كانت أمي تحبها كثيرًا

و تطرز لها في الشتاء قميصًا من خيوط شجرة عينيها.

هل تعرف أين تختبئ الأقمار القديمة؟

مرّة فتحت تلميذة صندوقها الخشبي الصغير

الذي تضع فيه كتبها المصوّرة

و كنت أختلس النظر كقط ذكي

فرأيتها:

عشرة أقمار..

عشرة أقمار صغيرة لامعة!

 

صورة: - لوسيفورس يأكل برتقالة البحر-

صوت: -لوسيفورس، أطعمني، فأنا جائع.

 

 

 

6 – المهدورة:

 

تنبئني امرأة كبريتية

فمها وكر للخفافيش و الأسلاك الشائكة:

- زمنك المتقدم على قدمين من زجاج،

سينكسر قبل أن يصلك.

تنبئني امرأة طائشة:

- زمنك المنكسر يأتي إليك بلا أيام

محمّلاً بالتوابيت و بطاقات التعزية.

تنبئني امرأة تدخن الماريجوانا

في مقهى البحر المتوسط:

- زمنك الميت، مكتئبًا يسير في أزقة المدينة

يسأل عنك الأرصفة الرطبة

و يفتش في جيوب الشحاذين عن عنوانك المحترق.

ينبئني زمني:

- امرأة تخبئ في عينيها كلّ الأفراح

المهدورة و الأعراس الممزقة..

قادمة من بين يديك،

فاستقبلها.

.........

مطر أشقر و فرس زرقاء

و جثتي في الشارع وحيدة

و ما زلت أكتب العصافير على ورق الجدران

و أرسم تفاصيل حبيبتي الكئيبة

مدن من زهر النعناع

و قرى من نفايات المدينة

جثتي في الشارع وحيدة

و أنا أصرخ في بوق الريح:

أيها الزمن السيء، أيها الزمن اللعين

يا رغيفًا من حشرجات و وطاويط

ألم تر حبيبتي الكئيبة

سمراء. قمحية. مدمرة. بحر

ملفوفة بالأعشاب و الغيوم الكتيمة

عيناها سمكتان و نهدها غزالة

و سلّم سترتها طويل

درجة أولى و ساعتي رطبة

ماذا تطلب أنت؟

- زجاجة بيرة و صحنًا من الأحزان المقلية

قصائد مملحة بجوع الفقراء

و أشجارًا مبادة بالأسلحة الكيميائية!

تعلّم، إذن، كيف تحب العالم

تعلّم كيف تبتلعه.

درجة ثانية و سلّم سترتها طويل

لا تصعد هذا الوجع

قد تطلع من الحائط نسمة بحجم جبل

قد يخرج خرتيت من بطن خزانة محشوّة

بالثياب الفرنسية موديل 2000

و ربما يطل برأسه ديناصور رهيب

من كتاب يتحدث عن الحب و الأزهار

إقرأ كتاب النار و لا تشتعل

دخّن لفائف قهرك الرخيصة

فالدرجة الأخيرة آتية

و سلّم سترتها طويل

ضمّد جراحك بالأرصفة و رسائل المساجين

فمعدن حبيبتك مزوّر

و أنت لم تتعلم فن الضحك في مدرسة

دريد لحام

و لم يعلمك أوفيد فن الحب

إنسان بسيط أنت

تريد أن تأكل و تتزوج و ترقص!

جسد حبيبتك شمس

إذا اقتربت منها ستحترق

كفّا حبيبتك مدينتان

إذا دخلتهما ستصاب بالانفصام

شفتا حبيبتك رغيفان

إذا أكلتهما ستصاب بالتخمة

 

مطر أشقر و عيون زرقاء

و أنتِ ممددة على معطفي الممزق

المدينة نائمة و نحن وحيدان

.و سندريلا في ردائها الطويل تطارد المذبحة

أنا جائع جائع

كعصفور على صخرة نائية في بحر متسع

و لكني لا أريد أن أموت

أنا مقهور مقهور

كورقة صفراء لم تأخذها الريح في الخريف

و لكني لا أريد أن أسقط في الفراغ

أنا معذب معذب

مثل ديك بعنق مقطوع يركض في أزقة

خاوية و دمه لا يتساقط منه

أنتِ جميلة و المطر أشقر و نحن وحيدان

و لكن لا أريد لموتي أن يتسع

 

أيتها الرائعة الخاوية حتى من جسدي

أيتها البلاد المثقوبة كالخرز أو كالجراح

ها أنذا أعطيك نهرًا قبل أن أغتسل

.!فيه

 

ن